تراجعت خلال السنوات الثلاث الماضية كمية المياه الواصلة إلى محافظة الديوانية من نهر الفرات الذي يمر عبر محافظة بابل، ورصدت منظمة الهجرة الدولية في آذار/مارس 2022 حالات النزوح الناجمة عن التغير المناخي في وسط وجنوبي العراق، إذ لم تتمكن العديد من الأسر من ضمان سبل عيش كافية ومستدامة في المناطق الريفية. يجلس السبعيني مالك عناد
تراجعت خلال السنوات الثلاث الماضية كمية المياه الواصلة إلى محافظة الديوانية من نهر الفرات الذي يمر عبر محافظة بابل، ورصدت منظمة الهجرة الدولية في آذار/مارس 2022 حالات النزوح الناجمة عن التغير المناخي في وسط وجنوبي العراق، إذ لم تتمكن العديد من الأسر من ضمان سبل عيش كافية ومستدامة في المناطق الريفية.
يجلس السبعيني مالك عناد في دار الضيافة الواقعة في قرية البو خنيجر في قضاء ال بدير التي تبعد عن مركز محافظة الديوانية مسافة 90 كيلومتراً شرقًا، تجلس بجواره حفيداته اللائي فقدن فرصهن في الدراسة للعام الثاني؛ فقد أدى الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية إلى تدهور الوضع الاقتصادي لأبناء المحافظة.
أبناء مالك اضطروا هم الآخرون إلى مغادرة الديوانية نحو بغداد؛ تاركين عوائلهم للبحث عن فرص عمل هناك، بعد أن فقدت أرضهم خصوبتها إثر التغيرات المناخيّة.
بدأت علامات الجفاف تظهر منذ سنوات رويداً رويداً على سطح الأراضي الزراعية في قرى ال بدير؛ فانخفاض مناسيب المياه لم يترك للأهالي أملًا في المستقبل، ودفع نحو نصفهم إلى الهجرة. كما ازداد الوضع المائي سوءاً بعد استيلاء بعض المتنفذين على الحصص المائية القليلة في القضاء، فيما تقف السلطات مكتوفة الأيدي أمام هذا التجاوز.
تبلغ الحصة المائية المخصصة للقضاء أربعة متر مكعب في الثانية؛ وهي حصة لا تكفي حتى حاجة السكان للشرب، ما أجبر أهالي القرى على الهجرة وترك أراضيهم، بحسب رئيس جمعية مستخدمي المياه هاني الجليحاوي.
يخبرنا عناد وخلفه خزانات مياه فارغة: “نسكن هنا منذ قرون، وهذه أرضنا وأرض أهلنا، وبعد شح المياه وضعنا المعيشي تردى، والسكان هاجروا بسبب العطش، فيما لم تقدم الجهات الحكومية إلينا أي مساعدات”، يطلب عناد من المسؤولين العمل على وقف معاناتهم مع نقص المياه، وتدهور الزراعة.
يسافر مالك يومياً مسافة ثلاثين كيلومتراً بسيارته المتهالكة، مجتازًا كل الطرق الوعرة؛ لجلب خزان مياه لا يتجاوز حجمه المئة لتر، للشرب والاستخدام اليومي لعائلته وأحفاده.
يقول مالك: “أعطتنا الدولة خزانات ماء، لملئها من السيارات الحوضية، لكن هذا لا يكفي كونها توزع لجميع القرى المجاورة، وكل عشرة أيام أو أكثر يصلنا الدور بينما الخزانات طوال مدة الانتظار فارغة تماما”.
النزوح بسبب الجفاف
قرية البو خنيجر واحدة من أكثر من ثلاثين قرية يتكون منها قضاء ال بدير، في محافظة الديوانية. ضرب الجفاف هذه القرى، متسبباً هجرة نحو نصف سكانها، بحسب مختار قرى البو حسين، إذ يشتد تأثير التغيرات المناخية في قرى البو خنيجر وال زياد والبو حسين وال فريحه وال عايد في قضاء ال بدير، ما أدى إلى شح المياه.
تراجعت خلال السنوات الثلاث الماضية كمية المياه الواصلة إلى محافظة الديوانية من نهر الفرات الذي يمر عبر محافظة بابل؛ ففي العام 2021 كانت الحصة المائية قد وصلت إلى 180 مترًا مكعبًا في الثانية، فيما انخفضت في العام 2022 إلى 120 مترًا مكعبًا في الثانية، وتراجعت بشكل كبير في 2023 إلى 80 مترًا مكعبًا في الثانية.
رصدت منظمة الهجرة الدولية في آذار/مارس 2022 حالات النزوح الناجم عن التغير المناخي في وسطي وجنوبي العراق، وبينت أن ” التدهور البيئي، بما في ذلك انخفاض تدفق المياه، وزيادة الملوحة في الأنهار والروافد المهمة، أدى إلى الضغط على القطاع الزراعي، إذ لم تتمكن العديد من الأسر من ضمان سبل عيش كافية ومستدامة في المناطق الريفية”.
كشفت المنظمة أنه “اعتبارًا من 15 آذار/مارس 2022، لاتزال 3358 أسرة (20148 فردًا) نازحة بسبب ندرة المياه والعوامل المناخية الأخرى في عشر محافظات؛ ومن بين هؤلاء، هناك 2152 أسرة نازحة داخليًا (64%). تتوزع العائلات النازحة على 128 موقعًا، غالبيتها (74%) في المناطق الحضرية، وأن المحافظة الرئيسة التي نزحت منها العائلات هي محافظة ذي قار (1542)”.
أراض بائرة
يمتلك مالك عناد 300 دونم زراعي لم يزرع منها في السنوات الخمس الأخيرة سوى عشرة دونمات، يقول: “أرضي الآن تعتبر أرض بور، كنا نزرع ونسلم محاصيلنا في الليل وفي اليوم الثاني مباشرة نستلم أموالنا، لكن حالياً الوضع الزراعي متراجع بشكل كبير”.
انحسرت الأراضي الزراعي بشكل كبير في محافظة الديوانية؛ فبلغت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العام 2022 نحو مليوني دونم، فيما تراجعت الأراضي غير الصالحة للزراعة -بسبب التغيرات المناخية- إلى نحو مليون ومائتي ألف دونم، بحسب آخر إحصائية أجرتها مديرية إحصاء القادسية، التابعة إلى وزارة التخطيط العراقية في محافظة الديوانية.
كما قال مدير زراعة الديوانية صفاء الجنابي، إن المساحات المزروعة انخفضت، وفق ما أعلنته وزارة الزراعة الملزمة بتنفيذ الخطة الزراعية التي تضعها وزارة الموارد المائية، والتي تتحدد وفق كمية المياه المخصصة في المواسم السابقة.
اشتملت الخطة الزراعية في العام 2021 على زراعة 650 ألف دونم زراعي، فيما انخفضت المساحات المخصصة إلى نحو النصف في العام 2022 حيث وصلت 350 ألف دونم زراعي، كما وصلت إلى صفر في الموسم الصيفي من هذا العام؛ لندرة المياه.
يمتهن 65 في المئة من سكان محافظة الديوانية الزراعة، باعتبارها محافظة زراعية، ولا تمتلك أي موارد قادرة على توليد فرص عمل أخرى سوى في هذا القطاع، بحسب مدير الزراعة.
الجفاف يخرج الأطفال من الدراسة
أدى تدهور الزراعة إلى تدهور أوضاع السكان الاقتصادية الذين عجزوا عن تحمل مصروفات دراسة أبنائهم. يتحدث مالك عناد عن معاناتهم مع الجفاف، قائلًا بلكنة عراقية ريفية: “أصبحنا نعيش في معاناة مستمرة، وهؤلاء الأطفال -أحفادي- قد حرموا من المدرسة، وآبائهم قد هاجروا، وأطفالهم بقوا هنا من دون دراسة، وظروفهم المعيشية متدهورة، وهل لعامل البناء أن يبني بيتًا أو يؤمن مستقبلًا لأطفاله من دون الزراعة؟! الزراعة هي مصدر الدخل الرئيس”.
عزم سجاد -نجل مالك- أمره على الهجرة، بعد أن ترك الدراسة منذ أربعة أعوام، إذ سيلتحق بأخوته للعمل في العاصمة بغداد، يقول سجاد: “تركت الدراسة في المستوى الأول المتوسط، بسبب بعد الطريق عن المدرسة، وعدم تأمين تكاليف النقل والدراسة، سأهاجر والتحق بإخوتي لعدم وجود الماء والزراعة”.
يقول محمود العياشي (38 عامًا) الذي يسكن قرية الزوية في قضاء الحمزة الشرقي: “لا توجد لدينا زراعة، أمتلك 50 دونماُ زراعياُ، ولكن لا أستطيع زراعتها بسبب الشح المائي، كما أنني غير قادر على العيش في المدينة؛ لذلك لم أستطع الهجرة من قريتي”.
يتحدث العياشي عن أبنائه السبعة الذين لم يدخلوا أي مدرسة، ولم يتلقوا أي تعليم حتى الآن قائلًا: “لدي سبعة أبناء، خمسة منهم في مراحل الدراسة، ولكن لا أحد منهم تم تسجيله؛ لبعد المدرسة عن القرية قرابة 15 كيلومترًا، ولا أمتلك سيارة لنقل أولادي، كما أن الأراضي الزراعية بارت منذ سنوات، ما أثر في وضعنا المعيشي، وحرم أبناءنا من التعليم”.
بينت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، “اليونيسف”، أن “العراق يحتل المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر عرضة لنقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى، وفق التقرير السادس الخاص بالأمم المتحدة لتوقعات البيئة العالمية (GEO-6)، ويأتي العراق في المرتبة 61 من بين 163 دولة على مؤشر اليونيسف للمخاطر المناخية على الأطفال”.
وأشارت اليونيسف إلى تغير أن المناخ “يمكن أن يتسبب في زيادة تنافس وتدافع المجتمعات على الخدمات، ويؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، فضلاً عن زيادة حرمان الفئات السكانية المهمشة والأطفال النازحين -وخاصة الفتيات- من الخدمات الأساسية؛ فليس لهؤلاء الأطفال المحرومين القدرة الكافية للصمود، والتكيف مع تأثيرات التغير المناخي”.
تشير الأدلة -بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة- إلى أن “60 في المئة فقط من العوائل في العراق لديها إمكانية الوصول إلى مصادر المياه التي تدار بأمان، مع وجود تفاوتات وتباينات جغرافية كبيرة، ما يدفع بعض العائلات والأطفال الأكثر ضعفًا إلى النزوح من مناطقهم”.
ولفتت اليونيسف إلى أنه “وفق اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق عام 1994، لكل طفل الحق في التعليم والتعلم في بيئة آمنة ونظيفة .. في العراق، تحصل مدرسة واحدة فقط من بين كل مدرستين اثنتين على خدمات المياه، والصرف الصحي، والنظافة الأساسية، ما يقوض حقوق الأطفال في التعلم في بيئة آمنة ونظيفة. يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تعطيل تعليم الأطفال لفترات طويلة، الأمر الذي يؤثر بشكل أكبر في الأطفال الأشد ضعفاً، وهذا يدفع هؤلاء الأطفال وعائلاتهم إلى تبني طرق للتكيف بصورة غير ايجابية؛ مثل: التوجه إلى عمالة الأطفال و/أو زواج الفتيات مبكرًا”.
وتكمل اليونيسف أن: “المسح العنقودي متعدد المؤشرات الذي أجرى في العام 2018 أظهر أن إجمالي معدل الحضور في المرحلة الابتدائية 91.6 في المئة وهي نسبة عالية نسبياً، فيما عند الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة، تبين انخفاض معدل الحضور إلى 57.5 في المئة، ويصل إلى 37.1 في المئة في المرحلة الثانوية. وهناك اختلاف في معدلات الحضور المدرسي بين مختلف المناطق؛ فعلى سبيل المثال: سجلت الأنبار أدنى معدل للحضور في المرحلة المتوسطة (39.7 في المئة) وسجلت ميسان أدنى المعدلات بـ 21.9 في المئة”.
أمراض بسبب التغيرات المناخيّة
يعاني أبناء العياشي من بعض الأمراض الجلدية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، ما أدى إلى إصابة رضيعته طيبة بـ”حبة بغداد” أو ما يعرف طبيًا بـ”الليشمانيا”، فيما أصيب ابنه علي بمرض “أبو صفار” -مرض ناجم عن تكون كمية زائدة من صبغة لونها مائل الى الصفرة في الدم تسمى بيليروبين.
ازدادت هذه الأمراض بكثرة في السنتين الأخيرتين، ما دفع الهلال الأحمر إلى إطلاق حملة كبرى للتوعية بمخاطر التغيرات المناخية على صحة الانسان، يقول حيدر كريم، عضو الهيئة الإدارية للهلال الأحمر العراقي: “أدرك الهلال الأحمر العراقي خطورة التغيرات المناخية، وتلوث المياه في الآبار، والجفاف، ما دعانا إلى إطلاق الحملة الكبرى، لتشمل تسع محافظات، بواقع خمسة أيام في كل محافظة تأثرت بالتغيرات المناخية والجفاف، وبدأت هذه الحملة بالمحافظات الأكثر تضرراً؛ وهي محافظة المثنى، واليوم وصلت الحملة إلى محافظة الديوانية، ثاني أكثر المحافظات تضرراً”.
ويضيف أن الحملة الطبية خلصت إلى أن التغيرات المناخية تسببت في انتشار أمراض عدة بين السكان؛ منها: الأمراض الجلدية، والاسهال المعوي، والحمى النزفية.
تقول الطبيبة الصيدلانية رغد إحسان إن: “أغلب الحالات المرضية التي تم تشخيصها نتجت عن شرب المياه الملوثة، وغير الصالحة للشرب، كما شخّصنا عدداً من الأمراض الجلدية والالتهابات المعوية والمجاري البولية، الناتجة عن الاحتباس الحراري”.
يشير معاون مدير بيئة الديوانية، أحمد محمود، إلى أن: “زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أدت إلى الجفاف والشح المائي، ما دفع المواطنين إلى اللجوء إلى حلول بديلة، للحصول على مياه، لكن هذه الحلول غير صحية، ما أدى إلى انتشار بعض الأمراض ومنها الإسهال الوبائي والأمراض الجلدية”.
يتحدث المحمود عن مطالب العراق بتعويضات مالية من الدول الصناعية المسببة لانبعاثات الغازات قائلاً : “بناء على إتفاقية باريس، فإن الدول الصناعية المسببة لانبعاث الغازات، يجب أن تقدم دعماً ماليا للدول المتأثرة. ويدخل العراق ضمن الدول المتأثرة، وعلى الجانب المحلي سعت الحكومة إلى تقليل انبعاث الغازات من 1 إلى 2 في المئة، ولكن إذا حصلنا على دعم مالي دولي، ومدت الدول المتقدمة العراق بالكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة، ستصل النسبة إلى 15 في المئة”.
البقاء للأفقر
مثله مثل أبناء الحاج مالك، هاجر ماجد رحم (40 عامًا) من بيته في قرية البو زياد بسبب التغيرات المناخية والجفاف يقول : “في قرية البو زياد قرابة الـ 300 منزل؛ أي سكنت سابقًا قرابة 600 عائلة فيها، وهاجر نصف سكانها الذين يعتمدون على الزراعة، وبسبب الجفاف الذي انتشر في السنوات الخمس الأخيرة، انتهت حرفة الزراعة التي كان الأهالي يعتاشون عليها، في الوقت نفسه، فإن فرص العمل الأخرى غير متوفرة هنا، لذا هاجر عمي تاركًا منزله”.
يضيف مختار القرية: “هاجر نحو 100 عائلة من 250 في البو زياد فقط، بعضهم هاجر إلى كربلاء للعمل في البناء، والبعض الآخر إلى مركز قضاء ال بدير، فيما تبقت العوائل الأكثر فقراً مرغمة”، ويكمل: “لجأنا إلى حفر الآبار للحصول على المياه، لكن تبين أن مياهها مالحة، وتحتوي على نسب عالية من الكبريت، ما سبب أمراضًا جلدية لأطفالنا”.
وعن الجفاف والتغيرات المناخية وتأثيرها على التحاق الأطفال بالدراسة، يتحدث مختار قرية البو زياد: ” لم تستطع أغلب العوائل أن تسجل أبنائها في المدارس، بسبب الظروف المعيشية، بعد هجرة قراهم، وترك أراضيهم، وتراجع الزراعة، وخسارة آلاف الدونمات من أراضيهم التي أصبحت بوارًا”.
يشير الدكتور أحمد معاون مدير بيئة الديوانية إلى أن “الجفاف وشح المياه سببا تراجعاً في واقع الزراعة في العراق، وباتا يهددا الأمن الغذائي، وأجبرا الكثير من المزارعين إلى النزوح من الأرياف إلى المدن؛ كونهم فقدوا مصادر دخلهم الرئيسة”.
وما زاد من ندرة المياه تجاوز بعض النافذين على الحصص المائية للقرى البعيدة الواقعة على أطراف الأنهار، في ال بدير شرقي محافظة الديوانية.
التجاوز على نهر “الجهاد”
رصدنا عند الحدود الفاصلة بين محافظتي الديوانية وواسط، وتحديدًا في ناحية الأحرار التابعة إلى محافظة واسط، أكثر من 72 منفذاً مائياً متجاوزاً على نهر الجهاد من جهة محافظة واسط، ما أثر في الحصص المائية لأكثر من 50 قرية من قرى قضاء ال بدير التابعة الى محافظة الديوانية.
اصطَحبنا المزارع بشير بريسم حمج، من محافظة الديوانية، إلى الأماكن التي تم التجاوز فيها على نهر الجهاد، وعبر بنا إلى حدود محافظة الكوت، قاطعاً الطرق الصحراوية والريفية، حيث تراءت لنا مشاهد التصحر والجفاف القاسية.
وقف بشير على أحد الأنهر المتجاوزة في ناحية الأحرار -التابعة الى قضاء الموفقية في محافظة واسط- وقال هو يشير بيديه: “يعد هذا المنفذ تجاوزاً على نهر الجهاد الذي يأتي من محافظة واسط، ويغذي قرى قضاء ال بدير في الديوانية”.
يكمل وهو يمسك بيده مستندات وأوراق دعاوى قضائية قدمها إلى هيئة النزاهة والقضاء؛ للبت في هذه التجاوزات: “أغلب المتجاوزين يرَوون أراضيهم من أنهار أخرى، ولكنهم تجاوزوا على نهر الجهاد، واكتشفت هذا المنفذ المتجاوز كونه يمر في أرضي، بعدها قدمت شكوى من الشخص المتجاوز، وتبين لي -فيما بعد- أن ثمة أكثر من 72 منفذًا مائيًا، يبلغ قطرها مترًا واحدًا، فيما أعطت الجهات الرسمية الموافقات الرسمية لسبعة منافذ فقط”.
يضيف بشير : “قدمت شكوى رسمية، وشُكلت لجان تحقيقية إثر الشكوى، وتبين أن الأوامر الحكومية تم تزويرها، و الأشخاص المتنفذين يضللون القضاء، ويرسلون وثائق غير دقيقة ومزورة إلى قاضي التحقيق، مدعين بأن المتجاوز لديه موافقات رسمية لبناء منفذ، وللحصول على حصة من نهري مديليل واضحية بحسب الوثائق الرسمية، لكن بعد التحقق تبين أن الموافقة تمت على نصب مضخة، وليس فتح منفذ على المياه، كما أن الإجازة لم تنفذ، وبحسب قانون الري؛ فإن أي إجازة لا تنفذ خلال سنة تلغى”.
مزارع يكتشف التزوير
قدم حمج من قضاء ال بدير في الديوانية الكتاب 10962 الصادر في 2008 إلى هيئة النزاهة، وبناء عليه، تم التدقيق في سجلات الصادر التابعة إلى دائرة ري واسط، ليتبين أن الكتاب لا صلة له بنصب مضخة، بل تسجيل سيارتين.
كما تم التوصل إلى التزوير والتلاعب بكتاب آخر رقم 9674 الصادر في 2008، أي يتضمن موافقة من مديرية ري واسط على فتح منفذ. وتبين بعد التحقيق أن الوثيقة الأصلية تنص على تشكيل لجنة تنفيذ عمل، وليس فتح منفذ.
ويشير حمج إلى أن “الشخص المتجاوز على النهر (نحتفظ باسمه) يزرع ما يقارب الثلاثة آلاف دونم زراعي في أراضي الديوانية، وألفي دونم في أراضي أخرى، وقدمت شكوى في آب/أغسطس 2022، اعترضًا على التخطيط الفني ذي الصلة، كون النهر يمر بطول 15 كيلومترًا في أرضي، ولا يروي نفس القطعة التي أخذ على أساسها المتجاوز إجازة الري”.
تواصلنا مع وزارة الموارد المائية ودوائرها في محافظة واسط، للرد على ما كشفناه من مخالفات، لكن لم يصلنا منها أي رد.
يتأهب ساجد لهجرة أراضي الديوانية البوار، بعد أن هجر مقاعد الدراسة، باحثًا عن عمل في منطقة أخرى يتوفر فيها أساسيات الحياة، بينما تظل حصص المياه القليلة حكراً على المتجاوزين، والقانون يقف مكتوف الأيدي ولا يحرك ساكنًا.
….
تم إنتاج هذا التحقيق ضمن إطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.
تصوير: كرار علاء
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *